بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
حرمة اللهو واللعب واللغو والعبث
(3)
رأي المحقق الايرواني
قال الشيخ الايرواني (فاللهو فعل النفس واشتغالها باللذائذ الشهوية بلا قصد غاية وإن كانت الغاية حاصلة سواء أصدرت حركة جوارحية من الشخص أو لا كما في استماع آلات الأغاني قال تعالى: (ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ) )
وحاصل كلامه بعبارة أخرى يتألف من بنود وان قوام اللهو بأمور: أ- ان اللهو قائم بالنفس لا بالجوارح ب- وانه خاص باللذائذ الشهوية لا مطلقاً ج- وانه يشترط فيه ان لا تكون له غاية وإلا لم يكن لهواً (وقد سبق ان الظاهر ان مراده ومراد الشيخ هو: بلا قصد غاية أخرى غير التلذذ لوضوح ان اللهو واللعب يقصد بهما التلذذ دون شك.
وصريح قوله (وإن كانت الغاية حاصلة) هو ان الملاك بنظره (عدم قصد غاية) وعالم الالتفات والوجود الذهني لا وجود الغاية وعدمها ثبوتاً.
وقوله (سواءاً) يفيد ان اللهو متقوّم بالنفس فقط ولا يشترط فيه مطاوعة الجوارح ومتابعتها فقد تكون وقد لا تكون.
وستأتي مناقشته بعد نقل كلام السيد الروحاني المؤيد له.
تأييد السيد الروحاني للايرواني
وقد أيّد السيد الروحاني كلام الايرواني واستدل للشطر الأول منه (أي لركنية قيامه بالنفس، بالآيات، حيث ان الايرواني لم يستدل على مدعاه بشيء) ولم يتطرق لسائر الشروط والبنود ولا للدليل عليها وان قبلها كما هو صريح اخر كلامه.
قال في فقه الصادق([1]) (ان الظاهر ان اللهو من أفعال النفس، بمعنى انه عنوان منطبق عليها، ولا ربط له بالأفعال الجوارحية، وليس كاللعب منطبقاً على تلك الأفعال كما يظهر لمن تدبر في مشتقات هذا اللفظ، لاحظ قوله تعالى: (لاهِيَةً قُلُوبُهُمْ)([2]) أي ساهية غافلة مشغولة بالباطل عن الحق وتَذَكُّرِهِ، وقوله تعالى: (أَلْهَاكُمْ التَّكَاثُرُ)([3]) أي شغلكم التفاخر والتباهي بكثرة المال عن الآخرة، وقوله تعالى: (لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ)([4]). وقوله (فَأَنْتَ عَنْهُ تَلَهَّى)([5])
ولذا قيل في قول لهو الحديث، ان الإضافة بمعنى من، لأن اللهو يكون من الحديث وغيره، وإطلاقه على بعض الأفعال الجوارحية كالغناء إنما هو من باب إطلاق اللفظ الموضوع للمسبب على السبب.
وعليه فاللهو هو اشتغال النفس باللذائذ الشهوية بلا قصد غاية، وإن كانت الغاية حاصلة سواء صدرت منه حركة جوارحية أم لا، كما ذكره بعض المحققين).
مناقشات على كلام الايرواني
أقول: يرد على المحقق الايرواني:
أولاً: ان تخصيص اللهو بفعل النفس تخصيص من غير مخصص، فان اللهو يطلق على فعل الجوارح دون شك لغةً وعرفاً عاماً وفي عرف المتشرعة أيضاً وذلك مثل الغناء فانه لهو وهو من مقولة الفعل، وكذلك الرقص، واللعب بالشطرنج ونظائرها، وسيأتي الجواب عن كلام فقه الصادق في توجيهه لذلك.
نعم غاية الأمر انه لهو بلحاظ طريقيته لحالته النفسية لكنه مغاير لدعوى كونه فعل النفس بل هو في الجملة([6]) فعل الجوارح منسوبة إلى ما توجده في النفس أو ما يصحبها من الانشغال والانفعال.
ويؤكد ذلك انه لم يشر أحد من اللغويين – فيما نعلم – إلى اختصاص (اللهو) بفعل النفس، كما يؤكده غرابة ذلك عرفاً على الأذهان وحاجته إلى التعمل كي يتعقل فكيف بكونه المتبادر؟
ثانياً: ان دعوى كون اللهو هو فعل النفس صِرفاً([7]) تستلزم القول بعدم حرمته مطلقاً، وذلك لوضوح ان أفعال النفس ليست محرمة إلا ما ارتبط منها ببعض شؤون العقائد كعقد القلب على إنكار وجود الله أو وحدانيته أو إنكار سائر أصول الدين والمذهب، ولا شك ان اللهو إذا خص باشتغال النفس باللذائذ الشهوية (والمراد بالشهوة اما المعنى الأخص أي الشهوة الجنسية أو الأعم مما أشارت إليه الآية الكريمة: (زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنْ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنْ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ)([8])) فانه لا شيء منها بمحرم إلا ما وقع مقدمة موصلة للحرام وهو خروج عن محل البحث إذ محله هو حرمته بعنوانه وان اللهو هل هو كالسرقة أو الزنا حرام بذاته وإن لم يقع طريقاً إلى محرّم آخر أو لا؟.
اللهم إلا ان يخصص اشتغال النفس باللذائذ الشهوية بما إذا كان لها مبرِز وظهور على الجوارح لكنه خلاف صريح كلامه اللاحق (سواءاً أصدرت منه...).
والحاصل: انه لا شك في ان انشغال النفس بالتفكير بمثل الزنا من دون ان يؤدي إلى الحرام فكيف بانشغالها بالتفكير بما لا طائل تحته من غير الشهوانيات كأن يفكر في قصص الخيال العلمي أو في أحلام اليقظة ككونه يسبح في بحر من الأموال مثلاً، ليس بمحرم. وللكلام صلة
وصلى الله على محمد واله الطاهرين
([1]) فقه الصادق ( عليه السلام ) ج21 ص339.
([2]) الأنبياء 3.
([3]) التكاثر 1.
([4]) النور 37.
([5]) عبس 10.
([6]) لتحقق اللهو فيما هو فعل النفس فقط.
([7]) وهو ظاهر الايرواني وصريح الروحاني إذ قال (ولا ربط له بالأفعال الجوارحية).
([8]) آل عمران 14. |