• الموقع : مؤسسة التقى الثقافية .
        • القسم : المكاسب المحرمة (1433-1434هـ) .
              • الموضوع : 87- تتمة الكلام عن ابن الغضائري : وجهان للدفاع عنه ، والجواب ـ تتمة الكلام عن توثيق محمد بن سنان ـ عشرة روايات عن (الرشوة ) من طرق الخاصة وروايات من العامة .

87- تتمة الكلام عن ابن الغضائري : وجهان للدفاع عنه ، والجواب ـ تتمة الكلام عن توثيق محمد بن سنان ـ عشرة روايات عن (الرشوة ) من طرق الخاصة وروايات من العامة

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
 
كان الكلام فيما مضى في البحث الرجالي و الدرائي، والآن نصل إلى خاتمته فنذكر إضافة مهمة، وكذلك تتمة موجزة, ثم نذكر بعد ذلك نذكر سائر روايات الرشوة.
 
كان حديثنا حول كتاب الضعفاء والمنسوب إلى ابن الغضائري الابن (أحمد) او إلى الاب الحسين بن عبيد الله الغضائري، وهل ان هذه النسبة تامة أم لا؟ وذكرنا في سبق إنا لا تعلم صحة نسبة هذا الكتاب إلى صاحبه بل الظاهر عدم صحة النسبة؛ فان الشيخ الطوسي صرح بان كتابي ابن الغضائري قد تلفا بعد وفاته، حيث أتلفت كتبه ومنه هذان الكتابان من قبل الورثة، هذا أولا. ثم ذكرنا ثانيا ان كتاب ابن الغضائري قد فقد لمدة 200 سنة أو أكثر، وكان أول من عثر عليه هو السيد ابن طاووس وقد صرح بنفسه انه لم يجد سندا متصلا إليه، وبالتالي لا حجية له.. هذا ما مضى.
 
تصريح أغا بزرگ بان الكتاب موضوع من قبل المعاندين
 
ونضيف الآن إضافة مهمة إلى ما ذكرناه وهي:
 
إن كتاب ابن الغضائري المنسوب إليه، يلاحظ عليه: أن الكاتب هو من المكثرين في الطعن في الإجلاء والفقهاء والعلماء من الطائفة، وهذه أمارة قوية واضحة على تضعيفه، وكذلك على إسقاط تضعيفاته عن الحجية، وهنا نجد ان المحقق أغا بزرگ الطهراني يستظهر بعد تتبع كلمات الطعن المذكورة في الكتاب لمختلف الأعاظم فيقول: "إن المؤلف – أي للكتاب المنسوب لابن الغضائري – كان من أكابر المعاندين للشيعة، وكان يريد الوقيعة بهم بكل حيلة؛ ولذلك ألف هذا الكتاب وأدرج فيه بعض مقالات ابن الغضائري – أي: الموجودة في كتب أخرى ككتاب النجاشي[1] - تمويها له ليقبل عنه سائر ما أراد إثباته من الوقائع والقبائح "[2] انتهى،
 
وفي مورد آخر من ذريعته يقول[3]: "وإنما ألفه بعض المعاندين للإثني عشرية، المحبين لإشاعة الفاحشة في الذين آمنوا... ثم يقول: وابن الغضائري اجلّ من أن يقتحم في هتك أساطين الدين حتى لا يفلت من جرحه احد من هؤلاء المشاهير بالتقوى والعفاف والصلاح " انتهى.
 
تتمة: دفاع بعض المعاصرين عن رجال ابن الغضائري
 
وهنا نذكر تتمة وهي: ان بعض الرجاليين المتأخرين قد دافعوا عن هذا الكتاب وذلك إن من أهم الإشكالات على ابن الغضائري في كتابه – على فرض صحة النسبة – انه متسرع في الجرح فلا يركن إليه، وقد أجاب هذا الرجالي عن ذلك بجوابين:
 
الجواب الأول: (يكفيه – أي ابن الغضائري – اعتماد مثل النجاشي والذي هو اضبط أهل الرجال عليه)
 
الجواب الثاني: (انه لم يُرَ مثله في دقة النظر)
 
وهذان دليلان قد يذكران لتقوية طعونات ابن الغضائري
 
ردّ كلا الوجهين:
 
ونقول في مقام الجواب عما ذكره:
 
 إن كلا الوجهين ليس بتام:
 
رد الوجه الأول:
 
أما الوجه الأول: من اعتماد النجاشي عليه، فانه بحسب التتبع في رجال النجاشي نجد انه – أي النجاشي - نقل في 22 موضعاً عن ابن الغضائري ، وعند ملاحظة هذه الموارد فإننا لا نجد فيها ما يدل على اعتمادٍ خاصٍ من قبل النجاشي عليه، وكذلك لا نجد ما يدل على دقة النظر المذكورة، فانه في العديد من الموارد ينقل عنه قوله ان لفلان كتاباً مثلاً يقول: "ان احمد بن الحسين رأى له كتاباً"
 
وفي موارد أخرى فان النجاشي ينقل عنه تهمة الغلو لمجموعة من الرواة وهما يشتركان في ذلك لاتحاد المشرب و الذوق, وفي هذه الموارد لا نجد أية دلالة على دقة النظر المدعاة أو الاعتماد الخاص غير ذلك, هذا أولا.
 
وثانيا – وهو العمدة – فان النجاشي ينقل عن ابن الغضائري أي عن كتابه الذي كان بمتناول النجاشي، لكن الكلام – كما سبق - إن ذلك الكتاب الأصل قد تلف، والموجود بين أيدينا ليس له نفسه أو لا أقل انه لا يعلم انه هو، فكيف يدعى اعتماد النجاشي عليه؟
 
بعبارة أخرى: لا يصح الاستناد إلى اعتماد النجاشي على كتاب ابن الغضائري لتصحيح نسخة الكتاب الموجودة اليوم بأيدينا، نظراً لأنها تلفت بتصريح الطوسي ثم انه عثر على كتاب منسوب إليه – كما ذكرنا – بعد 200 عام بواسطة ابن طاووس، وهو قد صرح انه لا سند له إليه فلا حجية له، هذا هو رد الوجه الأول.  
 
ردّ الوجه الثاني: التسرع في جرح الاجلاء وكونه طعانا أمران مختلفان
 
وأما الوجه الثاني الذي ذكره حول دقة نظر ابن الغضائري فنقول في جوابه:
 
انه ليكن ابن الغضائري دقيق النظر، ولكن لم تثبت وحدة الكتاب، وكون الكتاب الموجود بأيدينا هو له، هذا أولا.
 
وثانيا – وهي إضافة مهمة – ان هذا الرجالي قد خلط بين أمرين، وذلك انه قد سُجِّل على ابن الغضائري سرعة الجرح للأجلاء، فأجاب هذا الرجالي بكونه دقيق النظر.
 
والجواب: ان هناك فرقا بين التسرع في جرح الأجلاء وكونه طعّانا حيث إن هذين أمران لا أمر واحد؛  فان الإكثار من الطعن شيء والتسرع في الطعن شيء أخر، فقد لا يكون الشخص متسرعا ولكنه بالرغم من ذلك يكون كثير الطعن، ونحن لو سلمنا ان ابن الغضائري في كتابه المنسوب إليه ليس متسرعا بل هو دقيق النظر، ولكن كونه طعّاناً اعم؛ فان الطعن قد يكون لتسرع منه وقد يكون لسبب آخر، فان كثيرا من الطعانين يطعنون نظراً لابتلائهم بمرض الوسوسة والتشاؤم وغلبة الحالة السلبية المسيطرة عليهم فيسيئون الظن بالمؤمنين، أي إن الرجل قد يكون دقيقا ومحققا لكن المشكلة فيه ليست من هذه الجهة، ولكنها من جهة أخرى وهي كونه سيء الظن جداً، فيضخم الأمور البسيطة ويصنع من الأمور المتعارفة والتي تجري فيها أصالة الصحة العقلائية أمرا عظيما يحمله على غير محمله
 
إذن: نفس الطعانية وكثرة الطعن هي مثلبة له وان كان منشؤها التدقيق الشديد فيما لو عاد ذلك إلى سوء الظن غير المتعارف، أو إلى الوسوسة في تقييم الأشخاص[4].  
 
والنتيجة: هذان وجهان يضعفان كلمات ابن الغضائري حتى لو فرض وسلمنا ان الكتاب له
 
إضافة إلى وجه آخر ذكره العلامة المجلسي وهو (الاعتماد على هذا الكتاب يوجب رد أكثر أخبار الكتب المشهورة)[5]
 
بقية سلسة السند:
 
الراوي الأخير: الاصبغ بن نباتة
 
وأما الراوي الاخير في سلسلة سند روايتنا فهو الاصبغ بن نباتة ، وهو لا شك في وثاقته، فقد وثقه الشيخ الطوسي بعبارة قوية وكذلك النجاشي حيث يقول الأخير عنه: " هو من المتقدمين من سلفنا الصالحين كان من خاصة أمير المؤمنين (عليه السلام)[6]، وعمّر بعده وروى عنه عهد الأشتر ووصيته إلى ابنه محمد"، وهذه عبارة قوية من الشيخ النجاشي لتوثيقه، كما ان للشيخ الطوسي نظير هذه العبارة. كما انه وقع في إسناد كامل الزيارات.
 
والمتحصل من كل ذلك: ان روايتنا المذكورة بعد التحقيق الرجالي الذي ذكرناه هي معتبرة ظاهرا ويمكن الاعتماد عليها[7].
 
روايات أخرى مستفيضة حول الرشوة:
 
ونذكر الآن روايات أخرى حول موضوع الرشوة، ولن نبحثها سندا فان فيما ذكرناه الكفاية، هذا إضافة إلى ان هذه الروايات مستفيضة بل لعلها متواترة[8]، وقد جمع صاحب جامع أحاديث الشيعة[9] روايات متعددة حول الرشوة مما ذكرناه وغيره.
 
فمنها: ما رواه الصدوق في ثواب الأعمال. وقد سبق
 
ومنها ما نقله عن عوالي اللآلي، قال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): (لعن الله الراشي والمرتشي ومن بينهما يمشي)[10],
 
وكذلك نقل عن (جامع الأحاديث) الإمام موسى بن جعفر (عليه السلام) عن أبيه عن آبائه (عليهم السلام) قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): (الراشي والمرتشي والرائش بينهما ملعونون)
 
وعن جامع الأخبار[11] قال (عليه السلام): (الراشي والمرتشي والماشي بينهما ملعونون), وفيه أيضاً: قال (عليه السلام): (لعن الله الراشي والمرتشي والماشي بينهما)
 
وأما الرواية الأخرى فهي التي ذكرناها عن الإمامة والتبصرة لوالد الشيخ الصدوق وهي: عن سهل ابن احمد ( ويقول عنه النجاشي لا بأس به) عن محمد بن محمد الأشعث (والنجاشي يقول عنه: ثقة) عن موسى بن إسماعيل بن موسى بن جعفر (قد وقع في إسناد كامل الزيارات والتهذيبين) قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): (إياكم والرشوة فإنها محض الكفر ولا يشم صاحب الرشوة ريح الجنة)
 
وفي رواية أخرى: عن أمالي المفيد عن أبي حمزة الثمالي عن الإمام الباقر (عليه السلام): (قال موسى بن عمران: الهي من أصفياؤك من خلقك؟. .. إلى ان يقول: فمن ينزل دار القدس عندك؟ قال تعالى: الذين لا تنظر أعينهم إلى الدنيا ولا يذيعون إسرارهم في الدين ولا يأخذون على الحكومة الرشا...).
 
وأما الرواية الأخرى فهي لجابر وقد نقلنا بعضها سابقا[12]: (قال لعن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) رجلاً يحتاج الناس إلى نفعه (وفي نسخة لفقهه) فسألهم الرشوة) ورواها الشيخ في التهذيب أيضاً
 
وكذلك رواية أخرى في مجمع البحرين حيث رواها مرسلة وهي: (لعن رسول الله الراشي والمرتشي والرائش)،
 
وهذه روايات عشرة توجد في العديد من مصادرنا المختلفة، منها المعتبرة ومنها المرسلة ومنها غير ذلك، ومن مجموعها يحصل الاطمئنان بالصدور, كما سيأتي مزيد توضيح لذلك.
 
ونضيف الى ذلك: ان العامة كذلك نقلوا روايات متعددة بنفس النص المذكور وهو: (لعن رسول الله الراشي والمرتشي)[13]
 
وهذه قرينة قوية تؤيد وتعضد رواياتنا، مما يوجب الاطمئنان بالصدور. وللكلام تتمة وصلى الله على محمد واله الطاهرين
 
 
[1] - أو التي وجدها في كتابه زمان حياته، لكن هذا بعيد.
 
[2] و 3 - الذريعة مج 4 ص 288 ومج 10 ص289.
 
[3] - الذريعة مج 10 ص 289
 
[4] - ان بعض الناس يمتازون بالبساطة والسذاجة فيحسنون الظن بالكل وعلى طرف النقيض منهم أولئك الذين يسيئون الظن بالأغلب أو الكل وكلاهما خارج عن حد الاعتدال، وبناء العقلاء على عدم حجية قولهم
 
[5] - بحار الأنوار ج1 ص40
 
[6] - المقصود بخواص أمير المؤمنين (عليه السلام) إما الحواريون ولعلهم أربعة وهي الدائرة الخاصة جداً، او الأعم والأوسع ولعلهم عشرة افراد أو أكثر فتأمل. وعلى أية حال فهي عبارة مدح وتوثيق وتعديل بل أكثر كما يظهر من عرض العبارة على العرف بوضوح.
 
[7] - بعض الأفاضل أشكل حول محمد بن سنان وقال انه لا يعلم ان وجه تضعيف النجاشي له هو الغلو، ونجيب بكلمة: ان التتبع يشهد بانه لا وجه لتضعيف النجاشي له إلا الغلو فان هذا هو وجه الطعن الوحيد فيه
 
كما انه توجد روايات أخرى توضح وجه الجمع بين الجرح والتوثيق له فاما انه كان لفترة خاصة ويدل عليه ما قاله صنوان بن يحيى – كما في النجاشي – (ان هذا ابن سنان لقد همّ ان يطير غير مرة فقصصناه حتى ثبت معنا) إذن فقد ثبت على الحق لاحقاً، بل انه حتى سابقاً (هم أن يطير) وليس (طار) فتدبر. فالذم هو لفترة خاصة فقط، أو انه كان تقية كما تدل عليه رواية الفضل بن شاذان إذ تشهد باعتماده عليه وقوله فيه ليس إلا للتقية فلاحظ فقد روى الكشي عن الفضل (لا أحل لكم ان ترووا أحاديث محمد بن سنان عني ما دمت حياً، وإذن في الرواية بعد موته) وهو ظاهر في التقية إذ لو كانت روايات ابن سنان غير حجة لما كان معنى للاذن بالرواية بعد موته!
 
[8] - فإنها تصل الى أكثر من 10 روايات
 
[9] - جامع أحاديث الشيعة مج 30 ص 77 باب 14، باب الرشا في الحكم هو الكفر بالله
 
[10] -ونحن في المقام لا نستند الى خصوص هذه الراوية حتى يشكل علينا بإسناد الكتاب
 
[11] - والعلامة المجلسي له كلام حول (جامع الأخبار) ومن هو مؤلفه، وكذلك صاحب كتاب أصول علم الرجال ج2 ص103 فراجع
 
[12] - جامع أحاديث الشيعة كتاب النكاح ج25 باب (1) من تحريم النظر الى النساء الأجانب ح27.
 
[13] - -حيث روى كل من صاحب سنن البيهقي وصحيح ابن حبان، وغيرهم هذه الرواية

  • المصدر : http://www.m-alshirazi.com/subject.php?id=109
  • تاريخ إضافة الموضوع : السبت 18 جمادى الاولى 1434هــ
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 02 / 23